عبق نيوز| سوريا / دمشق| شهدت الأشهر القليلة الماضية مؤشرات على تقارب عربي مع الجمهورية العربية السورية بعد أكثر من 10 سنوات على انطلاق الثورة في سوريا والحرب التي تلتها وتسببت بقطع معظم الدول العربية علاقاتها مع النظام.
وجرت خلال الفترة المذكورة زيارات من وزراء عرب من الإمارات والأردن ومصر كما زار رئيس النظام بشار الأسد، الإمارات وسلطنة عمان.
ومؤخراً أعلنت السعودية عن “مباحثات بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سوريا حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية”.
بدوره يعتزم الأردن إطلاق مبادرة لحل الأزمة السورية، تحدث عنها وزير خارجيته العام الماضي، وتقوم على “دور عربي مباشر ينخرط مع الحكومة السورية في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة ومعالجة تداعيتها الإنسانية والأمنية والسياسية”.
وترافقت احتمالات التقارب مع معارضة أمريكية للتطبيع مع النظام السوري، بسبب ما وصفه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “بوحشية النظام” و”عدم وجود بوادر حل سياسي”.
– إعادة الإدماج العربي تصطدم بالغرب-
الباحث بمركز الدراسات المستقبلية في بيروت عبدالله زغيب، عزا ظهور بوادر التطبيع بين النظام السوري والدول العربية إلى فشل عملية إعادة الهندسة للواقع السوري في مرحلة ما بعد الثورة والصراع الأهلي.
وذكر زغيب للأناضول، أن “الدول العربية العالية الانخراط في سوريا فقدت العديد من نقاط زخمها في الملف السوري، بسبب عدة عوامل أبرزها التأرجح في الموقف الأمريكي، والخلاف البيني مع تركيا، وتشرذم المعارضة السورية، ثم تشظيها”.
في مقابل ذلك، فإن روسيا وإيران “حققتا نجاحا نسبيا (في رقع جغرافية محدودة) بتثبيت الدولة، وتحويلها من عامل إشكالي (نظام) في إدارة الملف السوري إقليميا ودوليا، الى الجهة الأكثر ثباتا (حكومة) بعد 11 عاما من القتال”، وفق زغيب.
واعتبر أن المنظومة العربية الحالية “غير قادرة على إعادة التأهيل، إذا ما افترضنا أنها تعني بالمحصلة إعادة دمج لسوريا في مؤسسات المجتمع الدولي”، لأن “التأشيرة هذه لا يملكها سوى الغرب حصرا”.
وأوضح أن صعوبة إدماج النظام في المجتمع الدولي “باتت واضحة للدول العربية بفعل الصدام الدولي الأمريكي الروسي الصيني، في مقابل تخلي واشنطن والغرب عن دعم فكرة إسقاط النظام بالقوة”.
زغيب، أشار إلى أن “الأطراف العربية تحاول ضمن هذا الوضع إعادة إحلال أوزانها في الداخل السوري، ومنع تحول البلاد إلى نموذج يمني مرتبط بشكل هيكلي بطهران”.
وأضاف: “التقارب العربي السوري لا يمكن أن يكون عملا على هامش الحل النهائي، وقد ينتج حلا، لكن للخلاف البيني بين الأقطاب العربية والنظام لا أكثر، وقد يكون مقدمة، لكنه لن يكون كافيا لإنهاء الصراع وإعادة توحيد سوريا بما يناسب جميع الأطراف الداخلية ورعاتها”.
ولفت زغيب، إلى أن “واشنطن، لن تعطل المسعى العربي للتقارب مع النظام، لكنها لن تسهم به ولن ترفعه الى طاولة أشمل”.
وأردف: “القراءة الأمريكية تتقبل الأمر، بما فيه من مقدمات احتواء لدمشق على حساب طهران، وكذلك تخفيض عملي لأسباب توتر إسرائيل في هذا الملف”.
وحول إفلات النظام من العقاب في حال تطبيع العلاقات معه، أجاب زعيب، “في نموذج الانتقال من صراع أهلي الى منظومة حكم عابرة للأزمات، لا مكان للأخلاقيات”.
– جزء من منظومة عربية-
من جانبه، اعتبر محمد المومني، الوزير الأردني الأسبق، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن “سوريا جزء من منظومة عربية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن الدول العربية كوحدة واحدة دون الوجود السوري”.
وفي حديث مع الأناضول، قال المومني، “سوريا جارة للأردن، وامتداد جغرافي وديموغرافي للمملكة، لذا فالمصلحة المشتركة تقتضي سوريا آمنة ومستقرة، وأما النظام فهو خيار شعبي، ودبلوماسيتنا بقيادة الملك عبد الله الثاني، قائمة على أساس عدم التدخل في شؤون الغير”.
“لا يمكن أن نصف أي دور عربي لتمكين سوريا وإعادة تأهيلها بمحاولة خرق أو ما شابه ذلك، لأن سوريا وكما أسلفت هي جزء من منظومة عربية، والحل السلمي هو مصلحة للجميع دون استثناء”، أضاف المومني.
وأشار إلى أن “كل دولة عربية لديها علاقاتها الخاصة، واستراتيجيتها المستقلة، وخاصة مع القوى المؤثرة دوليا كالولايات المتحدة وروسيا وغيرها من الدول الأخرى، لذا فأنا أعتقد بأنها ستوظف تلك العلاقات وصولاً إلى حل يُعيد سوريا إلى سابق عهدها، ويعطيها دورا إقليميا، يحول دون تفاقم وخلق مزيد من الأزمات”.
وأوضح المومني قائلا: “الأردن طالما دعا إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها، ولكنه أعاد التأكيد على ذلك من خلال البوابة العربية، بحكم الترابط الجغرافي معها، والترابط المصيري الذي يحتّم على الدول العربية أن يكون لها دورٌ في إخراج سوريا من أزمتها”.
وبيّن أن “أي أزمة لأي دولة تفرض على قياداتها النظر بتمعن لأي عوامل تؤثر سلبا على استقرارها، وهو أمر متوقع من النظام في سوريا، كما هو الحال في أي مكان آخر”.
– التقارب العربي ومطالب المعارضة-
جمال الشلبي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الهاشمية (حكومية-الأردن)، انطلق في حديثه، مستشهدا بمقولة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل، “لا توجد صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة”.
وعلى هذا الأساس، أرجع التحولّ في العلاقات بين الدول العربية وسوريا لأسباب متعلقة بالبيئة الإقليمية والدولية، ومنها الأزمة الروسية الأوكرانية، والاتفاق الإيراني السعودي.
ولفت الشلبي، إلى أن “إيجاد حل سلمي ودبلوماسي في سوريا أصبح مطلبا عاما، سواء من جانب الدول العربية أو من جانب الدول المحيطة بها مثل تركيا”.
واستدرك: “هذا أمر، إذا ما تم، سيحقق مصالح دول الشرق الأوسط بالاستقرار، وخلق حالة من الهدوء والتنمية والرخاء الاجتماعي، والاستقرار السياسي لكافة دول المنطقة”.
الأكاديمي الأردني، اعتبر أنه “كلما كان هناك تقارب عربي مع سوريا وتشابك في المصالح سيعمل بالتأكيد على الدفع بالنظام للتعامل مع مطالب المعارضة المتمثلة في المشاركة السياسية، وفتح أفق سياسي لانتخابات يشارك فيها الجميع، بشكل أكثر جدية وفاعلية وواقعية”.
ولفت إلى أن “الأردن، سيجد الدعم المطلوب للمسير في مبادرته، التي إذا ما حققت أهدافها، ستعطى الأمل في استقرار ليس فقط سوريا بل في الشرق الأوسط برمته، وهذا مطلب إقليمي ودولي”.
ومستبعدا أن يكون هناك دور أمريكي في وقف التقارب العربي السوري، قال الشلبي: “من الواضح أن العرب في ظل بروز قوى جديدة مثل الصين، وروسيا، لم يعودوا يهتموا برأي الولايات المتحدة ونقدها أو حتى فعلها”.
وفي هذا السياق، اعتبر أن “واشنطن غير قادرة حاليا على ضبط إيقاع السلوك السياسي للدول العربية سواء إزاء سوريا أو إيران أو تركيا”.
وبناء على ذلك يرى الشلبي، أنه “لا يمكن للعرب أن يتراجعوا عن التقدم نحو دمشق من ناحية، ولا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل ظروفها الصعبة في الاشتباك السياسي والدبلوماسي في أوكرانيا، وكوريا الشمالية، وإيران، وفنزويلا أن توقف هذا التوجه العربي نحو سوريا العربية من ناحية ثانية”.
– العقوبات الأمريكية وإعادة الإعمار-
من جانبه، أفاد الباحث السوري في مركز جسور للدراسات وائل علوان، أن التقارب و تلميحات التقارب بين دول عربية والنظام السوري تأتي ضمن تفاهمات إقليمية ودولية تجريها تلك الدول مع حليفتي النظام روسيا وإيران.
ولفت علوان، إلى أن روسيا وإيران تسعيان لإحداث خرق في العلاقات بين النظام مع الدول الأخرى وهناك دول عربية تستجيب أحيانا لهوامش المباحثات، وتقيم علاقات مع الحلفاء المحليين لتلك الدولتين.
ويرى أن هذا المسعى لا يعيد تأهيل النظام، ولا يؤدي إلى إعادة إنتاجه وجعله مستقرا، “فالمشكلة في النظام ليس في العلاقات الدبلوماسية الإقليمية أو مع دول الجوار، المشكلة في النظام أساسا داخلية، فأسباب الثورة التي انطلقت في 2011 ما زالت مستمرة”.
علوان، قال إن “النظام تفكك كبنية داخلية وإدارة، وتحول إلى عصابات مسلحة وميليشيات تشكل ما يشبه الدولة ضمن الدولة، لذلك هناك أسباب داخلية تمنع تأهليه”.
أما الأسباب الخارجية التي تمنع تأهيل النظام السوري، فهي “العقوبات الغربية، وليس عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول” بحسب علوان.
وأضاف: “روسيا تسعى لإيجاد خرق في العلاقات العربية مع النظام، وإن كان الأخير سيستفيد منه إعلاميا وسياسيا، لكنه لن يتمكن من تحويله إلى المكتسب الأساسي، وهو إعادة الإعمار، وإنقاذه من الضائقة الاقتصادية التي يعيشها”.
وكمحصلة لما سبق، اعتبر علوان، أن “كل هذه العلاقات غير قادرة على رفع العقوبات الأمريكية وإعادة الإعمار”.
المصدر/ وكالات.
Comments are closed.